بورقيبة أول حاكم في تاريخ الإسلام ينتهك المقدسات
ولتجريد المؤسسات الاسلامية من سندها الاقتصادي صدر قانون بمصادرة الوقف وكان يمثل حوال ثلث الملكية في البلاد كما تم إغلاق الكتاتيب التي تدرس الاطفال القرآن، وصدر قانون يبيح الزنا إذا هو تم بالتراضي وذلك مقابل تجريم تعدد الزوجات. ولقد بلغ السيل الزيا عندما خطب الرئيس في مارس 1964داعيا شعبه الى التخلي عن فريضة الصام باعتبارها عائقا دون التنمية الاقتصادية. ولأن الافطار خلال الجهاد جائز ونحن في جهاد ضد التخلف جاز لنا الافطار. وبادر الرئيس الى كوب من العصير فاحتساه داعيا شعبه الى محاكاته، طالبا من المفتي المالكي والحنفي الى تأييد فتواه!!فلما اعترضا لم يتردد في الاطاحة بهما معا.وانطلقت في البلاد موجة تحريض على الافطار وأجبر أهل المقاهي والمطاعم على فتح بوابات محلاتهم وتقديم الخدمات للناس في نهار رمضان.كما أباح قانونه للأسرة التبني وألغى حق الرجل في القوامة كما خول لغير المسلم الزواج من المسلمة. ورغم أنه في مرحلة كفاحه التحريري دافع عن الحجاب باعتباره مقوما من مقومات الشخصية التونسية أو كان ذلك جزء من خطته في خداع الناس والتمويه عليهم فانه لم يتردد زمن الاستقلال في تمزيق حجاب امرأة على ملإ من الناس وأصدر قانونا في ذلك حظر حمل الحجاب في كل مؤسسات الدولة فطردت آلاف النساء من التعليم والادارة. وحتى المستشفيات امتنعت عن التعامل مع المتحجبة بل سيارات التاكسي نفسها. وهو القانون سيء الذكرالمرقم 108 والذي توسع خليفة بورقيبة في تطبيقه حتى خلت شوارع عاصمة تونس ومدنها وخلافا لباريز ولندن وفرانكفورت وكاليفورنيا من مشهد الحجاب. أما في المجال السياسي فرغم أن دكتاتورية بورقيبة شمل بأسها الجميع فقد كان بأسه الاشد على الاسلاميين حتى كان توقيت اعترافه بالحزب الشيوعي واستقباله لرئيسه في القصر قد تم في نفس اليوم الذي شن فيه حملة شعواء على الاتجاه الاسلامي و زج آلافا من خيرة الشباب والعلماء والكوادر في السجون.
لكل تلك الاسباب الدينية أساسا فقد ألفيت نفسي يوم وفاة بورقيبة ورغم رهبة الموت في حالة من لا يجرؤ على التوسط لدى مالك الملك لأتضرع بين يديه طالبا الرحمة لمن تجرأ على انتهاك حرمات الله بما لم يسبقه اليه حاكم في تاريخ الاسلام الحديث، حتى أتاتورك وبوقيبة مولع به لم يبلغنا عنه أنه أطال لسانه هزء من كتاب الله ورسوله وسخرية بالجنة والنار الى درجة أنه أكد في خطاب له يحرض فيه شعبه على انتهاك حرمات الله (اطمئنوا فإن بورقيبة لن يدخل الجنة حتى يطمئن الى دخول كل شعبه اليها)!!وذلك امعانا في السخرية لعنه الله. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهي في القرآن صراحة هو والمؤمنين عن أن يستغفروا لكافر مثل أبي طالب مع شدة حبه للنبي ودفاعه المستميت عليه وحمايته له من الاذى طيلة حياته (ماكان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى منبعد ماتبين لهم أنهم أصحاب الجحسم)<التوبة> فهل يجوز لمسلم على علم بالحد الادنى من دينه ومما انتهكه هذا الطاغية من حرمات الاسلام أن يستشعر أدنى تعاطف معه ناهيك عن الحب والتأييد والتوسط له لدى الرحمن؟ كلا،إن ذلك لا يأتيه الا جاهل بدينه أو مستخف بحرمات الله سائر على نهج بورقيبة. أما الجاهل فيعلم ولا يتبع. وأما الفاسق والمستخف بحرمات الله فإذا هو لم يرتدع عن غيه فمصيره أن يحشر مع بورقيبة وأمثاله. ولا عبرة باسترحام هؤلاء لبورقيبة فانما يتقبل الله من المتقين.
أما أنا فقد نشأت والحمد لله على بغض بورقيبة فلم أحبه يوما وكان ذلك بعض ميراث عن أبي رحمه الله الذي لم يكن سياسيا ولا هو من جماعة النخبة أو الثروة أو الجاه كان فلاحا صغيرا لا شغل له غير رعاية حقله الصغير وعبادة ربه وتلاوة القرآن وتعليمه وتأديب أسرته ومحيطه به. ولا أزال أذكر وأنا ابن العاشرة قدوم بورقيبة الى قريتنا تسبقه شهرة طاغية لزعيم أوحد مجاهد ضد الروامة الكفرة..فتجمع في بطحاء الحامة خلق لم ير مثلهم. ولقد استدرجت قوة الدعاية والدي وسحبته من حقله فاصطحبني وبعض اخوتي لشهود القائد العظيم. وتحدث الزعيم فألتهبت الجماهير حماساوهتافا بحياة الزعيم ..ولم يشوش على الزعيم غير صوت المؤذن يدعو الى الصلاة بأعلى صوته من مئذنة قريبة. ورغم قوة الصوت وسلطته الروحية وخلافا لما كان والدي المسكين يتوقع فقد واصل الزعيم خطابه المناري وكأن شيئا لم يحدث. وعبثا انتظر والدي أن يتوقف الزعيم بعد قليل ليؤم الناس في الصلاة فأصابته حالة من الذهول والحزن والغضب فجذبني في حزم وإخوتي قائلا هذا الرجل لا خير فيه. ولم يكن والدي بفطرته البسيطة السليمة محتاجا لأكثر من ذلك حتى يكتشف شخصية الرجل ويتنبأ بحجم الكارثة على هوية البلاد وكرامة أهلها التي ستحل على يد هذا الزعيم.
بواليوم وقد أفضى بورقيبة الى ربه والحق أنه قد مات منذ أخرجته دبابة 7نوفمبر من قرطاج1987فأنه لا شماتة لأن الموت حق وقدر كل حي ولا حزن كذلك ولا أسى .فالرجل أضاف الى الطغيان استهداف عقيدة الامة وشخصيتها الدينية والحضارية منجذبا خليط من ميراث الثورة الفرنسية في القطيعة مع الدين ومع القديم جملة ومؤسساته في توله بالعلم المادي واعتقاد في قدراته الخارقة على اسعاد الانسان،خليط من هذا الميراث الفرنسي اليعقوبي في النظر للدين وللقديم والتعويل المطلق على سلطان الدولة والعلم والتقدم واعتبار الدين ومؤسساته عثرة دون ذلك، خليط من ذاك الارث مضافا اليه إرث الثورات الفاشية والنازية والشيوعية السائدة في ذلك العصر قطب جذب كبير لشباب العالم الثالث يومئذ:أن أقرب طريق الى التنمية السريعة والتحديث عو تكتيل الامة في حزب واحد يمسك بقيادة زعيم ملهم بدواليب الدولة من أجل تفكيك النظام القديم وتحديث المجتمع والافكار أي النسج على المثال الغربي دون تورط في ترف الحرية والمناقشات وخلافات الاحزاب مما لا يتحمله الوضع.وإذا نحن أزلنا قشرة وشعارات هذا المشروع للتحديث لألفيناه في جانب كبير منه امتدادا للسلطة الاستعمارية وضمانا لمصالحها يغدو تنفيذه مستحيلا دون هذا الحجم الهائل من الاستبداد بسبب مقاومة عناصر الهوية. من هنا نفهم حجم العنف الهائل الذي مارسه بورقيبة لتفتيت قوى المجتمع القديم وضمان عدم تشكلها مجددا.ولم يكن عجبا ولئن اضطهد كل فيئات المعارضة فقد كان بأسه أشد على المقاومة الاسلامية.
إلا أن المقارنة بين عهد بورقيبة وخليفته الذي قال بأنه إنما جاء لينقذ مشروع بورقيبة من خطر سقوطه في يد أعدائه الاسلاميين، بما يخرج مشروع ابن علي في ثوب الاستمرارية لتراث بورقيبة ومكاسبه. وبعض تصرفات ابن علي اجتهدت في اعطاء هذا الانطباع من خلال المحافظة على قانون الاسرة،إن المقارنة لئن أكدت الاستمرارية فقد أكدت الامعان في سلبيات بورقيبة في الانفراد بالسلطة وفي الثبات على نهج تغريب البلاد وفي قمع كل صوت للمعارضة إلا أن العهد الجديد تفوق في كل سلبيات بورقيبة بامتياز دون المحافظة على قدر من التسامح عرفه الشطر الثاني من حكم بورقيبة في شكل انتعاش نسبي للحياة الاعلامية والثقافية والسياسية والجمعياتية التي تمتعت بقدر مهم من الاستقلال في الجامعة والنقابات مثلا.وكل ذلك أتت عليه دبابة 7نوفمبر التي تكلمت لغة واحدة مع التونسيين لغة رجل الامن مع غشاء خفيف مخرق من الحديث المتخم حول الديمقراطية وحقوق الانسان وحرية المرأة حتى غدى الامر مفضوحا وغدت تونس محط انشغال للمؤسسات الحقوقية والدولية، الامر الذي جعل موت بورقيبة يزامن بلوغ نظام ابن علي طور التراجع وحدة الازمة وبداية الانفجار ودخول البديل طورا جديدا.وذلك ما جعل سياسة ابن علي القمعية وما طم فيها من فساد غير مسبوق والاخطار المحدقة بالاخلاق والهوية كل ذلك قد أعاد موضوعيا قدرا من الاعتبار لبورقيبة الى حد الحزن عليه وحتى هذا انزعج منه ابن علي الى حد الرعب فحال بين الناس وبين أن يودعوا زعيما مات من زمان فكأنه بذلك يرغبهم في بورقيبة ويدعوهم للأسى عليه. والعبرة والبلاد تستشرف طورا جديدا من التغيير أن تكون أكثر مبدئية في اصرارها على قيم العدالة والحرية والاسلام حتى لا تنخدع مرة ثالثة. ولله الامر من قبل ومن بعد
- لندن ماي 2007
إرسال تعليق